لنتجدد: كرازة كلمة اللّه

إِنَّ حـاجَةَ البَشَرِ الأولَى هِيَ كَلِمَةُ اللّه.

وَيُخطِئُ كَثيرًا مَن يظنّ نفسَهُ يَخدُمُ ، إِذا قَدِمَ لِلنُّفوسِ أَيَّ طَعـامٍ آخَر، أو إِذا جَعَلَ قوامَ الخِدمَةِ ما يَقولُهُ الفَلاسِفَةُ أَو الشُّعَراء، أَو إِذا نَسَجَها مِن ذاتِهِ وَجَعَلَها تَدورُ حَولَ نَفسهِ كَما يَفعَلُ العَنكَبوت. إِنَّنا إِذا تَتَّبَعْنا الرُّسُلَ في كِرازَتِهم، نَجِدُ أَنَّ المادَةَ الرَّئيسِيّةَ في خَدَماتِهِم كانَتْ كَلِمَةُ اللّه (أع 2: 16، 25، 34 و 17: 2، 11 و 1كو 15: 1-4) بَـل إِنَّ أَعظَمَ كارِز، وَهُوَ الرَّبُّ يَسوع، الّذي هو نَفسُهُ أَوحَى بِالكَلِمَةِ فكان القُدوَةِ لَنا، استَخدَمَ هَذِهِ الكَلِمَة عَينها في كِرازَتِه (لو 4: 16-21).

 

وَهُناكَ أَمران هامّان نَضَعُهما أَمامَ مَن يَخدُمُ النُّفوسَ بكرازته لِكَلِمَةِ اللّه:

أَوّلاً: لا تَكُنْ مُجَرّد ناقِل. إِشبَعْ أَوّلاً بِالكَلِمَةِ وَاجعَلْها تَتَغَلغَلُ في حَياتِكَ فَإِنَّه «مِن فَيضِ القَلبِ يَتَكَلَّمُ الفَمّ». كَثيرون يَدرُسونَ الكِتابَ لِكَي يَعدّوا عظَة، لَكِن مِنَ الأَفضَلِ جِدًّا أَن تَـدعَ كَلِمَةَ اللّهِ تَبنيكَ أَوَّلاً وَتُعَلِّمَكَ (أنظر إش50: 4). طَبِّقِ الحَقَّ عَلى ضَميرِكَ وَمارِسْهُ قَبلَ أَن تُعَلّمَهُ "إِنَّها بَشاعَةٌ وَخِيانَةٌ لِلحَقِّ أَن يُتاجِرَ أَحَدٌ بِالحَقِّ الّذي لا يَشعُرُ بِسُلطانِهِ عَلى ضَميرِهِ شَخصِيًّا".

 

ثانِيًا: أُدرُسِ الكِتابَ المُقَدَّسَ كُلّه، لا أَجزاءَ بِعَينِها فَقَط. فَأَنتَ لا تَعلَمُ نَوعَ المَرضَى الّذينَ سَتَتعامَلُ مَعَهم، وَلا أَيّ جُـزءٍ مِن كَلِمَةِ اللّهِ يُناسِبُهم وَيُريدُ الرّوحُ القدسُ أَن يُقَدّمَهُ لَهم. فَنُبُوّةُ عاموس مَثَلاً، هذهِ النّبوّةُ الصّغيرَة، الّتى رُبّما تَكونُ مُهملَةً مِن مُؤمِنيـنَ كَثيريـن، استَخدَمَها الرّوحُ القُدّوسُ في مُناسَبَتَينِ مِن أَخطَرِ المُناسَباتِ عَلى الإِطلاقِ لِتَوضيحِ فِكرَةَ وَتَبليغِ رِسالَتِه؛ أَوّلاً بِواسِطَةِ استفانوس (أع7)، ثُمّ بِواسِطَـِة يَعقوب (أع 15). وَلَولا إِلمامهما بِكُلِّ ما في الكِتابِ المُقَدّسِ لما أَمكَنَ لِروحِ اللّهِ أَن يَستَخدِمَهما في هاتَينِ المُناسَبَتَينِ لإِعلانِ فِكره.

بَقِيَتْ مُلاحَظَةٌ أَخيرَةٌ عَن أَهَمّيّةِ كَلِمَةِ اللّهِ بِالنِّسبَةِ لِجَماعَةِ المُؤمِنين؛ الكَنيسَةُ الّتي مِن امتيازِها وَفي نَفسِ الوَقتِ مَسؤولِيّتها أَن تَكونَ «عَمودَ الحَقِّ وَقاعِدَتِه» (1تى 3: 15)؛ أَي شاهِدَة لَه. لَكِنَّ الشّيطانَ هاجَمَها مِنَ الدّاخِلِ وَمِن الخارِجِ لِيُحَوّلَها عَن هَذهِ الحالَةِ المُباركَة.

أَيـنَ المَلجَأ؟ يَقولُ بولُسُ لِشُيوخِ كَنيسَةِ أَفَسُس، شاعِرًا بِالخَطَرِ الّذي كانَ عَلى وَشَكِ أَن تَظهَرَ آثارُهُ المُدَمّرة بَينَهم «الآنَ أَستَودِعُكُم يا إِخوَتي للّهِ وَلِكَلِمَةِ نِعمَتِهِ القادِرَةِ أَن تَبنيَكُم وَتُعطِيَكم ميراثًا مَعَ جَميعِ المُقَدّسين»  (أع20: 32)

وَكَلِمَـةُ اللّهِ لا تسدُّ الحاجَةَ فَحَسب، بَل إِنَّها تمتِّعُ وَتُلذّذ. فَهِيَ لَيسَتْ غِذاءً عادِيًّا فَقَط بَل غِذاءً حُلوًا؛ فَنَقرأُ أَنَّها «أَحلَى مِنَ العَسَلِ وَقَطرِ الشّهاد» (مز 19: 10) نَعَم فَهِيَ تَمنَحُ لِلنَّفسِ نَشاطًا (1صم 14 : 29 و إش 50: 4)، وَلِلفَمِ حَلاوَة (أم16: 24 مع رؤ10: 10) أَكثَرَ مِمّـا يَستَطيعُ العَسلُ أَن يَفعَلَه. لِذا فَقَد قالَ إِرميا « وُجِدَ كَلامكَ فَأَكلتَهُ فَكانَ كَلامُكَ لي لِلفَرحِ وَلِبَهجَةِ قَلبي» (إر 15: 16).

 

كَلمَةُ اللّهِ أَيضًا هِيَ نورٌ لِلمُؤمِن « كَلِمَتُكُ مِصباحٌ لِخُطاي، وَنورٌ لِسَبيلي» (119: 105). إِنَّ الحَيـاةَ مُظلِمَةٌ لِكَثيرين، لَكِنَّ الكِتابَ المُقَدَّسَ يَملأُها بِالنّور «أَنارَ الحَياةَ وَالخُلودَ بِواسِطَةِ الإِنجيل » (2تى1: 10). وَفي عالَمٍ تَكتنفُهُ الظّلمَةُ الرّوحِيّةُ وَيَسودُهُ الشّيطانُ سُلطانَ الظُّلمَة، فَإِنّ خَيرَ دَليل لَنا هُوَ كَلمةُ اللّه. يُسَمّيها المُرَنِّم «أَهل ُمشورتي » (مز119: 24)، فَنَحنُ لَيسَ لَنا مَصدَرٌ نَستَمِدُّ مِنهُ الحُكمَ الصَّحيحَ عَلى أَيِّ أَمـرٍ مِنَ الأُمورِ سِوى «ما يَقولُه الكِتابُ المُقَدَّس» (رو 4: 3). وَالرَّبُّ أَوصَـى يَشوعَ أَن يَتَمَسّكَ تَمامًا بالعَمَلِ بِهَذِهِ الكَلِمَة، لِكَي يُصلحَ طَريقَهُ وَيُفلِح (يش 1: 7، 8).

 

ولا توجَدُ كَلِمَةٌ واحدَةٌ في كتابِ اللّهِ إِلاّ وَتَحملُ لَنا تَعليمًا وَبَركَة. وَما يَبدو لِلبَعضِ أَنّهُ غَير ضَرورِيّ هوَ نافِعٌ لِلبَعضِ الآخَر. هُناكَ قِصّةٌ طَريفَةٌ تُحكَى عَن ذلكَ عِندَما سُئِل رَجلُ اللّه "داربي" مَرة: أَيّة خَسارَةٍ كانَتْ سَتحدُثُ لَو أَنَّ الوَحيَ لَم يُسَجّلِ الآيةَ الواردةَ في 2تيموثاوس 4: 13 بِخُصوصِ الكُتُبِ وَالرّقوق؟ أَجابَ "داربي" أَنّهُ هُو على الأقَـلِّ كانَ سَيَخسَرُ كَثيرًا. لأَنّهُ في أَيّامِ نُسكِه، عِندَما كانَ كاهِنًا في الكَنيسَةِ الإنجليكانِيّة، فَكّرَ أَن يَتَخَلّصَ مِن مَكتَبَتِه، لَكِنَّ اهتِمامَ بولُس بِالكُتبِ مَنَعَهُ مِن ذَلِك. وَنَحنُ نَعرِفُ أَنّ لَيسَ "داربي" وَحدَهُ استَفادَ مِن هَذِهِ المَكتَبَة، بَل مِئات الآلافِ مِن الّذينَ قَرَأوا لَهُ بَعدَ ذَلك، في مُختلفِ بِقاعِ الأَرض.

 

1-ما هِيَ مَعرِفَتُكَ الشَّخصِيّةُ لِكَلِمَةِ اللّه؟ هَل عِندَكَ الرَّغبَة في دِراسَتِها؟

2- ما هِيَ عَلاقَتُكَ بِكَلِمَةِ اللّهِ هَل تَتَأَمّلُ فيها وَتُغَذّي حَياتَك؟